لفت نائب رئيس "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" العلامة الشّيخ علي الخطيب، إلى "خطورة ما ابتُليت به مجتمعاتنا وأسَرِنا من آفات أخلاقيّة وسلوكيّة تنذر بأشدّ الأخطار، وتدعو إلى استنفار كلّ طاقاتنا من أجل مكافحتها وجعلها أولويّة الأولويّات لدينا، لأنّ قوّة أي مجتمع إنّما تقوم على وحدة الثّقافة والانتماء والتّربية، والقدرة على مواجهات الانحرافات الاجتماعيّة والثّقافيّة والأخلاقيّة والسّلوكيّة، الّتي إذا ما تُرِكت تستفحل في مجتمعاتنا، فهو الخراب ومنه نؤتى وتفتح الباب للعدو لاستخدامه سلاحًا أفعل في نتائجه من الحرب العسكريّة".
وأوضح، عقب تأديته صلاة الجمعة في مقر المجلس، أنّ "الهزيمة في الميدان العسكري يمكن أن تُحوّله إلى نصر حينما تكون ثقافة وعقيدة وآداب المجتمع قويّة وثابتة"، مذكّرًا بأنّ "المغول انتصروا على الدّولة في العهد العبّاسي، ولكنّهم لم ينتصروا على الأمّة فأسلموا وتطبّعوا بطابع الأمّة ثقافيًّا ودينيًّا وأخلاقيًّا، وأصبحوا جزءًا من أمّة الإسلام".
وركّز الخطيب على أنّ "ما نواجهه اليوم ليس حربًا عسكريّة محضة، وإنّما يخوض أعداؤنا اليوم أشرس حربهم مع أمّتنا بالثّقافة والأخلاق، وهم يمزّقون شملنا، حيث تركت الأنظمة بين أيديهم وضع أنظمتنا وبرامجنا التّربويّة والثّقافيّة، بعد وضع أيديهم على وسائل الإعلام والإعلان الّتي تُروّج لثقافة الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسّياسي، وتفريغ النشء من أيّ مضمون أو هدف ذي قيمة في الحياة، بل ليكون ضائعًا يمشي دون هدف، فضلًا عن إثارة الفتن الطّائفيّة والمذهبيّة".
وأشار إلى أنّ "البرامج المدرسيّة خلت من التّربية على القيم الدّينيّة والوطنيّة، بعد تشويه الدّين لدى الرّأي العام وتحميله أسباب الفتن والفساد الّسياسي والاجتماعي والإداري، نتيجة الضخّ الإعلامي والانحرافات الّتي يمارسها البعض من الملتحفين بغطاء الدّين، ومن ثمّ تحميلها لقوى المقاومة الّتي تلاقي للأسف رواجًا لدى بعض الفئات في مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة ومنها لبنان، وخلقت حالةً من سوء الفهم داخل كلّ دولة من دولنا".
كما شدّد على أنّ "هذا ما يُفسّر الموقف من المعركة الّتي يخوضها الغرب اليوم ضدّ الشعب الفلسطيني، ممّا يستدعي وخصوصًا من القوى المستهدَفة بخلق إسفين بين قوانا الدّاخليّة، ما يستدعي منها ومن المخلصين أخذ المبادرة للتّواصل مع القوى الأخرى وخلق الثّقة بينها لإفشال هذه المؤامرة".
وبيّن الخطيب أنّ "هذه المهمّة لا تقتصر على قوى المقاومة، وإنّما نأمل من بعض الدّول وخصوصًا العربيّة منها الحريصة على وحدة الأمّة، أن تبادر إلى وضع خطّة للتّواصل والحوار، تفضي إلى حلّ للتّعقيدات والإشكالات الّتي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن؛ لأنّ ما حصل حتّى الآن تجاوز المقبول وأكثر من كافٍ في أخذ العبرة لتصحيح المسار".
ودعا القوى السّياسيّة الدّاخليّة في لبنان إلى "سلوك هذا المسار لتخفيف الخسائر ووضع حدّ للانهيار، والحفاظ على ما تبقّى من الوطن، فالوطن لا يقوم بالكسر والانكسار وإنّما بالتلاقي والحوار والتفهّم والتّفاهم بين أبنائه ومكوّناته، كما لا يقوم برفع السّقوف وإنّما بالواقعيّة السّياسيّة والتّواضع بين القوى السّياسيّة المختلفة". ورأى أنّ "لا محل لشعار الطّلاق بين اللّبنانيّين لأنّنا محكومون بواقع لا يمكن تجاوزه لأحد، وهو أنّ لبنان وطن نهائي لبنيه وبثقافة الدّين الّذي يدعو الى توثيق العُرى بين المختلفين".
وأضاف: "المقاومة إلى جانب الجيش والشّعب هي حتّى الآن الوسيلة الوحيدة للدّفاع عن حدود الوطن وسيادته، حتّى نتفاهم على وسيلة أخرى نتّفق عليها تحقّق هذا الهدف، وهذا لا طريق إلى بلوغه إلّا بالحوار أو التّشاور، فلا مشكلة في التّسميات كمدخل لانتخاب رئيس للجمهوريّة. فلنتواضع جميعًا من أجل الوطن، بدل الرّهانات الخاسرة الّتي تضرّ بالوطن".
وأكّد الخطيب أنّ "في موضوع الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، فقد سقطت الأمم المتّحدة ومنظّماتها ومجلس الأمن والقانون الدّولي بالضّربة الغربيّة القاضية، الّتي جاء ممثّل الاتحاد الأوروبي بالأمس ليعلن وفاتها والتهيؤ لدفنها متأخّرًا، بعد أن تعفّنت وفاحت رائحتها النّتنة، فهي لم توجد إلّا كغطاء لتحقيق غاياتهم الخبيثة وليس لتحقيق العدالة الدّوليّة كما يدّعون".
ولفت إلى أنّ "هذا يؤكّد اليوم أنّ الحقّ المغتصب لا يُعطى بقوّة القانون، بل يؤخذ بقوّة أهله والتّضحيات الّتي هم على استعدادٍ لتقديمها، فلا محلّ للضّعفاء في هذا العالم".